مصر السيادة=2016=

عندما انطلقت ثورة الحجاز بزعامة عبد الله بن الزبير ضد يزيد بن معاوية، هذه الثورة التي اعتبرها البعض انتصارا للخلافة ضدا على الملك([2])، التف بنو أمية حول زعيمهم مروان بن الحكم لاسترجاع ملكهم الذي أصبح مهددا بالزوال. ولا يعنينا من هذا الحدث أكثر مما ينطوي عليه من دلالة على رسوخ فكرة الغلبة واستخدام القوة لامتلاك السلطة. لقد نهض مروان بن الحكم في وقت تحققت فيه وحدة العالم الإسلامي، وتم فيه تصفية النفوذ الأموي في كل الولايات الإسلامية باستثناء دمشق التي بقيت ملجأ يستقبل فلول المنهزمين من بني أمية. وكان المنطق يقتضي الاعتراف بالقيادة الجديدة، مراعاة للمصالح العليا للدولة، وهو أمر فكر فيه بل وسعى إليه زعيم الأمويين مروان بن الحكم نفسه([3]). ولكن نوازع الملك وما تجره وراءها من مصالح فئوية كانت أقوى من دوافع المصلحة، فتحرك مروان بن الحكم في اتجاه حرب “الاسترداد”، وهو يتمثل قول الشاعر:
إني أرى فتنة تغلي مراجلها        والملك بعد أبي ليلى لمن غلبا([4]).
وعندما أخذته نشوة الانتصار على جيش ابن الزبير في مرج راهط، لم يفته التنويه بمنطق القوة الذي رفعه إلى سدة الحكم فأنشد يقول:
لما رأيت الناس صاروا حربا       والملك لا يأخذ إلا غضبا
دعوت غســان لهــم وكـلبــــا       والسكسكيين رجالا غلبا([5])
إني لا أداوي أدواء هذه الأمة إلا بالسيف حتى تستقيم لي قناتكم
ومراعاة لمنطق الملك الذي أضحى تراثا يتلقفه الأبناء عن الآباء، فقد وجد عبد الملك بن مروان نفسه جالسا في مكان أبيه، وكان عليه أن يواصل حرب “الاسترداد”، واحتل عصره الصدارة في تاريخ الإرهاب المنظم. لقد كان عليه أن يقوم بتصفية كل المعارضين مدنيين وعسكريين، وهي مهمة اختار لها صفوة من قواده الذين ظلت أسماؤهم تحظى بشهرة تاريخية واسعة لم تنسها ذاكرة الأيام.
كان معاوية يقول: “لا أضع سوطي حيث يكفيني لساني، ولا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي”، ومع أن الوضع هنا يتردد بين السوط والسيف، فهو أفضل من وضع ليس فيه إلا السيف. لقد خطب عبد الملك في الناس بعدما استقام له الأمر، مفصحا عن النهج الذي سيسلكه فقال: “ألا إني لا أداوي أدواء هذه الأمة إلا بالسيف حتى تستقيم لي قناتكم، تكلفوننا أعمال المهاجرين والأنصار ولا تعملون مثل أعمالهم، فلن تزدادوا إلا عقوبة حتى يحكم السيف بيننا وبينكم… والله لا يأمرني أحد بتقوى الله بعد مقامي هذا إلا ضربت عنقه”([6]).
إنه منطق الاحتكام إلى السيف والسيف وحده. هذه الكلمة المثقلة بظلال الرعب والقهر، تبدو أكثر الكلمات ترددا في كل مناسبة تخاطب فيها الأمة، وهي التي لم تعد تخاطب إلا لتذكيرها بحكم السيف. إنها اللغة الوحيدة التي تحسنها دولة القهر والغلبة لتحقيق “تواصل أكثر واقعية ومردودية” تجاه الأمة. يقول عبد الملك: “فمن قال برأسه كذا قلنا بسيفنا كذا”([7]). ويقول: “فإياكم وإياكم، من تكلم قتلناه، ومن سكت مات بدائه غما”([8]). وهذه المقولة نفسها لم ينس أن يرددها وهو يحتضر على فراش الموت ضمن وصية أوصى بها ابنه ووارث ملكه من بعده الوليد الذي أخذه البكاء، فيقول له عبد الملك: “أتحن حنين الأمة، إذا أنا مت فشمر وائتزر، والبس جلد نمر، وضع سيفك على عاتقك، فمن أبدى ذات نفسه لك فاضرب عنقه، ومن سكت مات بدائه”([9]). ولم يكن الوليد بن عبد الملك ممن يفرط في وصية أبيه، وهو الذي افتتح عهده بخطاب موجه إلى الأمة يذكرها بالتزام سيرة أبيه وسلوك نهجه الدموي: “… أيها الناس من أبدى لنا ذات نفسه ضربنا الذي فيه عيناه، ومن سكت مات بدائه”([10]).
نوازع الملك كانت أقوى من أن تصدها براهين الفقه وآيات القرآن، فللملك منطق غير منطق الفقه الذي لم يكن له سلطان على دولة الملك
نحن هنا أمام نموذج للقيادة “الإرهابية” التي صنعتها دولة الملك، وإلا فمن يصدق أن عبد الملك هذا كان شخصية وديعة، وقدته العبادة، وكان معدودا في سلك الزهاد والنساك، وممن يتقرب بهم حتى سموه “حمامة المسجد”. قال عنه صاحب الفخري: “كان عبد الملك قبل الخلافة أحد فقهاء المدينة، وكان يسمى حمامة المسجد لمداومته تلاوة القرآن، فلما مات أبوه وبشر بالخلافة أطبق المصحف وقال: “هذا فراق بيني وبينك”([11]). وفي طبقات ابن سعد نقرأ أن أهل المدينة شهدوا لعبد الملك بالعلم والنسك حتى قال عنه نافع: لقد رأيت عبد الملك بن مروان وما بالمدينة شاب أشد تشميرا ولا أطلب للعلم منه”([12]).
إن المرء ليعجز عن تبرير هذه الانتكاسة خارج المنظومة القيمية لدولة الملك. لكان عبد الملك فقيها بدون منازع، كما شهد له بذلك الشعبي كبير فقهاء عصره([13])، ولكن نوازع الملك كانت أقوى من أن تصدها براهين الفقه وآيات القرآن، فللملك منطق غير منطق الفقه الذي لم يكن له سلطان على دولة الملك. وما أروع ما قاله لسان الدين بن الخطيب وهو الوزير الذي خبر دولة الملك: “إن هذه الأمور التي تخللت المعمور سبق فيها الجدالَ الجلادُ، ونابت عن الحجج القاطعة والبراهين الساطعة السيوفُ

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

( عرائس القدس ). ------------ ستون عاما .. أو يزيد --- ----- عرائس .. القدس الفريد--- صوت يصرخ فى الوريد--- والطرحة البيضاء--------- تنزع من جديد--- والضفائر الغراء -------- على الكتف العنيد -- تلقى فى إشتياق ------- الى الحضن العتيد ومواكب الأعراس----- تنزع .. بالحديد -- لا موكب يمضى -------- ولا قدس .. تعيد--- والثوب .. ينقر --------- منفرا من الوجة البليد -- ----------- ستون عاما أو .. يزيد-- آهات عمرٌ .. تقتلع --- على السكك .. الحديد -- ----------- والارض تقمع من جديد ---- والعرش يقلع ... للعبيد -- ------------- على مرآى الجميع------- فمن للكرامة يستعيد -- ------------- والآن تهدم باحةالمسجد الأقصى ------------ وكيف للباحة .. معيد ---- أتى ربيع ثم ربيع -------- ينسدل فى الثوب الجديد --- وضفائر الشعر الطويل ---- تنسدل ع الكتف العنيد -- وثياب عرس تنتحل ---- ميل ..... الجريد --- والزفة الكبرى تقتل ------- كل باقات الورود --- ولا ........... تفيد ---- --------------- وحملة الأغراض أضحت أن تقتل الوجة السعيد ---------------------- ستون عاما أو يزيد ---- الكل كبل بالحديد --- وقذائف .. اليهود ----- تسحق أو .. تبيد ----- ------------ من أقصى الشمال أو الصعيد --- والقلب صابر قد .. يسيع ---- ربيعا أو بعدة .. ربيع ---- والصوت يأتى من بعيد --- والكل صامت يستريح --- ولاحل واضح قد يفيد --- إن كانت الاحلام يوما --- قد تعيد---- والشفاة تقهر كالجليد ---- والقلب قابع كالشريد ---- وهكذا يبدو .. اليهود --- يطلقوا سيلا من البارود -- والشعب أبدا لن يموت --- ولو كشرت أنياب الفهود --- وبدا الذئاب لها تقود ---- هنا تبدو معركة الصمود --- تسرى مع --------------- وهج الحصيد ----- فهل يخرج من -------- الرحم الوليد --- والكل يسعى ليستعيد ------- إنة يوم الوعيد ------ والوعد .. قد أضحى أكيد -- ستغنى القدس .. أحلى نشيد --- كم جريح وكم ..... شهيد --- وكم فى السجون من المزيد --- القدس أبدا لن .. . تبيد --- ستون عاما .. . أو يزيد --- والطرحة البيضاء ------------ تنزع من جديد ---- وعرائس القدس ... الفريد ---- تنزع شريان. . .. الوريد ---- -------------- إنة العشق ..... الوحيد ---- يحضن الصبح .. السعيد ---- ------------ مليون فارس ... فى الطريق -- يستنهض الشعب .. العريق --- يسترجع القدس .. العتيق --- ----------- مليون فارس على الجواد --- إنهم فرسان .... شداد --- رافعين راية ... الجهاد --- النصر أو ... الإستشهاد ---- ---------------- ماذا فعلت بنا ثورات الربيع --- على مرآى من العالم والجميع --- الكل شارى .... و لن يبيع --- والحق أبدا ... لن يضيع ---- يستنهض الفجر ... المضىء ---- يتبعة الخطو ... الجرىء ---- ========================== دمر الكلمات إن كانت لا تفيد --------------- --------------- دمر الكلمات ... دمرها . أقتلها ------ إن لم تكن الحروف فى مواضعها ------ كم من التشنجات .. كنت أسمعها ------ والقدس ترزخ تحت نيران غاصبها ------ طالت سنين القهر حتى فى أشهرها ------ حزنا عليكى ياقدس أين منقذها ------ والصهاينة تنشب كل .. أطافرها ------- ما أشد آلاما .. وما كل أكثرها ----- كلماتٌ تصرخ كنت ... أكتبها--------- بدماء فى القلب تمضى تسكنها -------- ------------------ أقتل فى فؤادك الصبر --------------- إن كان الصبر دوما لا يحركها ------- ليوثٌ نائمة فمن ..... سيوقظها ------ أنفض غبار ... اليأس ---------------- والقدس سوف تنهض بفرسانها ------ ----------------- مليون فارس ... فى الطريق ------- يستنهض الوطن ..... العريق --- يسترجع .. القدس .... العتيق ---- يستجمع ... الفجر .. المضىء ----- يستودع ... الليل .. العميق ----- يمتطى ...... شارة . الفريق------- فى هجوم ............. كالبريق ------ ------------ إنة وعدٌ أكيد عودة القدس الفريد ----- والطائر المنشود يبدو كالغريد ----- ------------ عرائس القدس .... الفريد ----- صوت يصرخ .. فى الوريد ----- والطرح البيضاء ----------------- تزهو من جديد ----- والوجة المطل على الإيمان ----- وليس الخوف من يوم العيد ----- سيتسابق الفتيان .... يوما ----- لتحقيق النصر .. الأكيد ----- وستتحرك الأزمان دوما ----- وستتحررين ياقدس قسما ------ وستحطمين سلسلة الحديد ----- ----------- الشمس لن تبدو فى غيوم ---- مليون فارس فى قدوم ---- وسلاح قاتل للخصوم ---- والعالم الحر -------------- معصوب العيون ---- الشمس تبدو.. فى بريق ---- والصحبة والقلب الصديق ---- مليون فارس فى الطريق ------ يستنهض الوطن الشقيق ------ يسترجع القدس العتيق ----- يستنشق الأنف الشهيق ----- بعد زحفٍ .. للفريق ---- مسترجع القدس العتيق ----- ------------ من حصن يبدو منيع ---- والكل صامت يبتلع ------ أهات شيخ يضجع ------ أو ..... طفلِ يبدو رضيع --- والكل يغرق مجتمع ---- ولا قلبٌ أضحى يسيع ------------- ============ ابراهيم خليل من مدونة الشاعر المصرى ابراهيم خليل ======================