من رواية الكثبان الرملية .




          -58-

جلس الأصد قاء  على المقهى الخلفى للبيت .....

مقهى عمار .. وقلوبهم تغلى مما سمعوة من أخبار

فالأستاذ بيومى أفندى يرتدى ملابس رثة وعليها

الطين والغبار .. انة يتسول  .. بعد خروجة من

عملة وقد ابصرة  مسؤلين كبار  فى عملة فخيروة

بالأستمرار فى عملة  أو الفصل  فأختار  التسول

وبدأ  المشوار ..  لكن  طليقتة لم تقبل الرجوع الية

وقالت لة باصرار  : 
  إن كنت  قد صرت  سحاذا  بفضلى  ذلك  لأنى

عانيت  منك الكثير  وتحملت الكثير والكثير  لم
تخل  اللحوم  بيتى  منذ  أشهر  وكنت  تغوص
فى النوم  وتتركنى  أكابد  الحرمان والشوق ..
ماذا  تريد منى  الآن  وعندما  صرخت   فى
وجهك  القيت  عليّ  الطلقة  الثالثة  وتمسكت
الا تلمس  لي  قطعة من  جسدى  إلا  فى الحلال
وها أنت أحضرت  لي .. شاب فحل  يبدو  علية
التخلف والجهل  رث الثوب  .. شعرة  المنكوش
يطل منة  الخوف .. وجعلتنى أطمئن لة  وقلت ليّ
ليلة واحدة  وأعيدك  الى  عصمتى  .. ولن أكرر
فعلتى ..  وكان  حميدو ذلك الشاب العبيط .. يعرف
بالظبط من أين  تؤكل الكتف ..  تناول ليلتها ثيابا
نظيفة  أعطيتها  لة .. وقد أستحم  وتطهر وحلق
شاربة وتعطر ..  واستعدل شعرة المنكوش وتبين
أنة ليس غبيطا  بل كان على أهل  الحى  يستعبط
فقد ظهر أمامى  رجلا بمعنى الكلمة ..  فأعجبنى
فحولتة وشدتنى  إلية رجولتة ..أكثر فأكثر   ولن
أستطع أكثر  من ذلك أعبر .. الفرق شاسع وأكبر
بينك وبينة ... كما أنة  كان حريصا على أن يجمع
المال .. أنة  يحضر لي   ثلاثين  جنيها فى اليوم
الواحد .. وهذا يساوى  مرتبك فى خمس  شهور
 فلم يدخل اللحم بيتنا  .. والآن أطفالك يتناولون
اللحم يوميا ... ثم أردفت قائلة بصوت  عال :
ارحل بقى  حجل  عنا .. عايزة  أعيش  عايزة
أتمتع  مابين الرجولة  والفحولة ..  ومابين الضعف
والعجز   حواجز  منيعة  لا تقهر  الا بمثل  حميدو
فقال لها بحدة :  سأوفر لكى المال والأستقرار  فلا
تحرمينى  من الأطفال الصغار  أن يكونوا   فى
حضن أبيهم  لا رجل  غريب غدار  .. قد  يؤذى
أولادك  الصغار  فهو عبيط  مكار

قالت  طليقتة بإنهيار  وهى تصرخ : ابعد  عنى
أريد أستمتع بحياتى  لن يعد يفيدينى  مالك  حتى
لو  جمعتة  ليل نهار  ..  فأننى أحببت  هذا العبيط
 فقد أزال منى الإنكسار .. كسرتنى حرام   عليك
 انت  كنت  أنانى جبار  ياليتينى أطلقت من أول
 طلقة  إلحاحك الآن بيزيدنى  فرار

تمتم بيومى  وهو يهم بالإنصراف : اللة يخرب
بيت  الحكومة  لم تنظف الغلابة الموظفين  ..
تسرق تنهب  وتخزن  الملايين  وتترك الشعب
يتفكك  .. ذتبى أية  أكثر من  عشرين   سنة
أعمل ليل نهار  مخلص فى عملى  ومرتبى
ستة جنيهات  اليس هناك أعتبار  لوجود
أطفال ..  لو أعرف أن هذة هى نهايتى
لفضلت الأختيار أن أكون  شحاذا أكسب
مايجعلنى أدير بيتى  دون إنهيار
ثم  نظر الية  متفحصا  ثم أردف قائلا :
أنا  أصبحت  شحاذ محترم  لايش لي غبار
أكسب  عشر جنيهات يوميا  وبإستمرار
قالت طليقتة بحدة  صائحة : مالك  الأن
لن يجعلنى أعود  اليك  فقد  جربت السعادة
والليل ستار  وشبابك  ولى  بالفرار  وانا لن
أعود اليك  بعد الأن وهذا آخر  قرار .....
اما بعلى  يحيطنى بجميع انواع المتع والكيف المثار

خذ  عصاك وأرحل  قبل ان يغمض النهار .. قال :

واطفالى .. وصل بك كل هذة الدناءة  والأستهتار

وماذا لو   صاروا وأصبحوا  كبار  .. هل يروا

أمهم وقد تركت أبيهم  لتتمرغ  فى احضان حمار

قالت لة بشماتة واستهتار : الرجل هو الذى يفرض

على المرأة الحصار   .. وانت الذى جعلتنى  أعرف

الفرق بينك وبينة ... وانا التى أختار ..  الجنة أم النار

فقال باختصار :  انا النار يابنت الفرطوس .. سآخذ

منك أطفالى بالمحكمة   ولن تقوى على الحصار ...

قالت لة بسخرية : لتتسول بهم .. وتحرهم من مدارسهم

أم  ستنتظرهم فى الدار  ...  أتركنا نعيش فى استقرار

قرأ محجوب  فى عيون أصدقاءة  ملامح الأسى والألم

والدمار .. فهذة أمرأة غير أصيلة  خربت الدار ..  ولا

تعشق الفضيلة .. بل  تفضل النذوات وتلجأ  الى كل حيلة

لتتمكن من الأفلات ..  وأخذ  بيومى يقارن بين رجل عملاق

لكنة  عبيط وجاهل  وليس عندة أدنى أمور بالحياة  ونفسة

التى تعرف كل شىء وتغترف كثيرا من  منابع العلم  فهو

يحمل على الأقل مؤهلا  جعلة  يتبوأ مركزا ووظيفة محترمة

وان كانت لا تدر علية ربحا  يتوازى مع مايصل الية من التسول

ومع زلك أستطاع ان يستدر عطف رؤسائة  ويحصل على اجازة

سنوية .. وهاهو الآن يقطعها  ..   فكم من مال لايفيد عندما تدب

أمورا أخرى تفسد كل شىء .. فالقناعة كنز لا يفنى .. والحياة لا

تكون الا بالرضى  والقناعة  والأيمان باللة  واليوم الآخر .. وان

متاع الدنيا قليل .. وهكذا بدأ  الاستاذ بيومى رحلة المسير .. لقد

قادة تفكيرة  الى الأنتقام أو الأستسلام الى المصير .. وأخيرا ..

لجأ الى التغيير ..  لقد  تحول الى شيخا  .. لحيتة  استطالت ..

وأمسك بسبحتة  وارتاد الممسجد  وبدأت رحلة التغيير .. وكم

من قصص وحكايات من الواقع .. لها فى النفس أعظم تأثير
-                57-

قال محجوب ساخرا :  ان هؤلاء الأثرياء الذين

يهربون أموالهم الى الخارج وايداعها فى بنوكهم

سيأتى اليوم الذى سوف يتهمون هم فية  بأنهم ..

يمولون الأرهاب .. وتجمد أرصدتهم  وخاصة

اذا أنتفض الشعب  وأزال سلطانهم  وعنجهيتهم

وقال مازحا  :   على برة  كل  بالشلوط

والدنيا  دارت   لي  قفاها ...  حطيت لزمانى خطوط

ما حاولت  أتعداها  ...  مالقيت لبحارى   ... شطوط

ولا لسفينتى مرساها ... طلع من  المياة  ..  قرموط

عدى  من  ساعة   ..  لقيت نفسى  جسد   .. بيموت

متعلق مع الباعة ..  وعجبى ؟ ! الكل فينا    بيشوط ..

ولا عندى ولاعة ...  وخطوط السكة  بلطمها بخيوط

مابقينا فى مجاعة .. ولا عندى  ......  حتى  شروط

ترجعنى بوداعة .  .  مش طالب  الا ...     القوت ..

عندى أنا قناعة .  .....................  عندى انا قناعة

قال أحمد : يا ما   طبلنا وزمرنا   وقلنا   خدوا  من

الأغياء  مايحقق أمن  وسلامة الفقراء .. سواء بالقوة

أو بالضرائب التى تفرض عليهم عنوة وبأن  يكون

هناك حدا  لثرائهم الفاحش ..حتى لا يتحولون الى

حيتان  تنهش فى لحوم  واجساد الفقراء  وتمتص

دمائهم  ..  اليس  من حق الأنسان ان يجد  فرصة


عمل يسد بها رمقة  .. من الجوع والظمأ  .. اليست

الأنسانية جديرة بالأحترام  .. لماذا  لا  يتضمن ..

ميثاق حقوق الأنسان  بنودا  تحوى ذلك  ان يعيش

الأنسان فى وطنة آمنا  مطمئنا  يجد  قوتة   وقوت

أولادة ويحيا حياة مستقرة  وكريمة ..  اين  آدمية

الأنسان  عندما يرزخ  تحت نيران  البؤس وارتفاع

لهيب الأسعار والبطالة  المتفشية  والمنتشرة   فى كل

مكان  قال محمود :  لقد  انتهيت من قراءة  رسالة

(  حسن النشال )  سأقرأها عليكم :

 صدقونى  انا  تبت الي اللة  وما كنت نشالا ولم

أحترف النشل يوما .. لكنة  قدرى  وكم من الأقدار

تلقينا  فى أعنتها  وليس لمثلنا أختيار  مهما  كان

عواقبها ..  طفلى كان  مريضا  بالتيفود   ودرجة

حرارتة مرتفعة  جدا وأوشك أن يموت منى  بعد

أن لففت  بة  على كافة المستشفيات والمستشفيات

تطلب منا  شراء  لوازم  وادوات وسرنجات  وقد

يمسك الطبيب بورقة  ويكتب عليها أسم  دواء   أو

بعض الأدوية  لشرائها من الخارج لعدم  وجودها

داخل المشتشفيات  لم أملك  جنيها  واحدا فى جيبى

والضنى غالى .. كم وددت أن أتحول الى أرهابيا

فى الحال أمسك  مدفعا رشاشا وأصب  هام  غضبى

على الأثرياء  ومرتادوا  صالات الرقص والديسكو

والذين يلقون بآلاف الدولارات تحت أقدام الراقصات

والسكارى .. والدولة  تتفرج عليهم بنهم  واعجاب ..

وتتقزى من  منظر الفقراء  وهم فى العراء ..  وقد

هممت بذلك .. لكن من اين لي مدفعا  أو بندقية ..

فقررت أن أحمل سكينا .. فى جيبى وأمتطيت ..

اتوبيس الهرم  .. ووقعت  عينى على محفظة ..

فحمدت اللة ورجعت .. ومضى بي الحال بضع

سنوات أنهل من هذا المنهل القذر .. حتى سمعت

خطبة الشيخ  كشك .. ورجعت الى اللة  كانت ..

الخطبة مؤثرة جدا  .. الجنة والنار  وماعند اللة

أفضل مما يملكة  جهابذة   الصالات  والقمار ..

وبكيت كثيرا  وذدت من الدعاء الأستغفار  لعل

اللة  يستجيب فهو الرحيم الغفار ..  خمس سنوات

طوال بعيدا  عن الحرام  أعبد اللة الواحد القهار

وعندما  كسرت ساقى فأنا عامل انفار  التقط  عيشى

من العمل فى المعمار ..  لم يعد  يطلبنى صاحب عمل

ولا دار ..  وبقيت فى حالة غليان وأستنفار ..  الكل..

ينظر لى نظرة  كرة وأحتقار .. بعد أن بعت مصوغات

أمرأتى  حتى السرير  الذى ننام علية ووصلنا الى قمة

الأنحدار ..  حتى ملابسى وملابس زوجتى تم بيعها

لشراء لقمة عيش .. تدار .. حتى لم يبق  شيئا  فى ..

البيت واصبحت فى حصار  الأطفال تصرخ باستمرار

تصرخ من شدة الجوع فطلبت من زوجتى ان تلجأ الى

الجار  تقترض منة رغيف عيش تسد بة رمق الأطفال

..لكن الجار يرفض أن يعطى شىء بعد كل هذا التكرار

ورجعت الى البيت بعد ساعة متأخرة والجوع  يلف بطنى

والجدار .. واكاد انا الوى من الألم لكنها الأقدار .. لكننى

تحاملت على نفسى .. ودخلت البيت لعلى أجد لقمة خبز

مما أتى  من الجار .. فوجدت مشهدا لن انساة طول عمرى

أطفالى ممدين فى انهيار .. جفت الدموع فى مآقيهم وأعينهم

وأخمد الصراخ ولم  يعد أحد  منهم يقوى  على ان يخرج

صوتة والأم  تلهث من الأعياء  . لا لقمة ولا كسرة  خبز

خرج  حسن  وهو يئن ويصرخ  .. مافيش سلام  مافيش

حد  فى قلبة رحمة .. يارب  لاسددت كل المنافذ فى وجهى

فلم يبقى غير الفرار .. حتى فلذات كبدى  اصابهم الدمار

سامحنى يارب فأنا لا  أقوى على الأستمرار ..  وغادر 

البيت متجها الى الأتوبيس لينشل وفى اثناء وضع يدة

التى ترتجف خشية اللة .. واصبحت ثقيلة  العثار  شعر

الرجل بة فصرخ .. وانهالوا علية ضربا وركلا  وقد

سلموة ليقف خلف هذة القضبان .. يقول فى الماضى

لم ترتجف يدى قط  كان قلبى جبار .. اما بعد  أن عرفت

اللة .. ضعفت واختار لى اللة مايراة  .


مقتطفات من رواية الكثبان
الرملية بقلم/
ابراهيم خليل
////////////////////


-          

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة