=34= رواية سليمان اليتيم =2016=



=34=  رواية سليمان اليتيم
=============
ظل سليمان يبحث ويقلب  فى أوراقة المتناثرة الهامة عن  الخصوص والعامة  .. وتارة يجد
عنوانا  يلفت نظرة بشدة  الى مكان ما  وزمان  تاة ..
فى القمة .. وتارة يجد أسماءاَ  كانت تلعب فى حياتة أدوارا   هامة أو صورة تكدح  لتجد من الذكريات مكانا فى  ذاتة  مجزءة كانت أو تامة  .. أو ربما   نافذة فتحت  ليدخل  منها شعاعا  لمكانة بين الأشياء وأحيانا قد يجد نفسة سباقا فى كشف معالم  تلك الكلمات  إن كانت مفرقة أو لامة   .. يقذفها .. ينسجها
يحملها  فى  مكان  نائى أو صحراء مهجورة ...فى متاهات  هذة  الظلمة ..أو
فى مكان  يجعلها ضمن حوارات   تامة فى نفسة .. حين يبحث فى عمق الأشياء  عن الذات أو عن دنيا  جميلة مستورة وبعيدة  هناك عن النظرات .. أو ينظر  كيف ينبض ذاك فؤاد  قد يحلم  بزواجة من أجمل ملكات ... حورية .. سنيورة .. أو ملكة تهبط  من
أروع  سماوات .. قد  يسرح أو يمضى  بخيالات قد  تمضى فى كل الأجزاء دون الإثبات ..  قد يبلغ فى
الواقع  الى أنحاء  المعمورة 
قد يشدو  على قيثارة  حبة المغمورة .. أياما قد تبدو فى تاريخة مذكورة  بحاجات ..
تعمق  فى الأشياء  .. نظر

سليمان  الى  تلك الوريقة التى  دون عليها أسم
من الأسماء  المكتظة بها الأوراق  قرأ  الكلمات كتب  عليها  بقلم باهت ( سحر
على الشاورى  .. شارع الجلاء  منية المكرم  / فاقوس  ..  والاسم الآخر
نادية صلاح الدين  بولاق
شارع الصحافة /  القاهرة) ....
...  تفحص  سليمان  ماكتب  عليها بدقة وما قد .. دون
على جدران قلبة من خلجات
وذاك الفؤاد   الذى بدأ يقفز
عدة  قفزات متلاحقة ويدق دقات   شديدة متلاحقة الأغراض  .. وتراءى لة أمام  عينية  صورة سحر
تلك الفتاة  التى يشع وجهها ضوءا   مبهرا  رغم أن عينيها مكتحلة السواد .. نظر  سليمان وحدق بخيالة
عند أول لقاء هناك   .. وكم كانت تومض عيناها  الساحرتان  وميضا
يشد القلوب ويخفق الألباب
تذكر حينذاك إبتسامتها المشرقة التى  تعطى للكون  ضياءا  وبهجة  ونورا  ..  وتملأ  جنباتة حياءا  وإستعباد .. هل كانت دقات
الفؤاد تنتشى سعادة  وحبورا ...أم إمتلكت  مفتاحا   للجنات .........
لم يستطع  سليمان أن يدقق كى يرى
هذا البريق المشع  المتسلل الى  فؤادة  يرحل دون أن يتبعة بخطوات حتى لو  كانت خجلة متهلفة  الى  أن يبسط  وجدانة  على تلك الحوريات .. تذكر  سليمان
حينما
إستوقفها قائلا  :  ممكن  ان سمحتِ  يا آنسة   كلمة واحدة بس أنت  مرتبطة 
..  لم يجد سليمان  صدى رد   على إجابتة  فظل  يهمس  ويستحث خطواتة على المضى  خلفها غير عابىء بما    قد يحدث لة
من عواقب وخيمة ... واستمر هكذا   سائرا  خلفها  بطول  شارع
منية المكرم  بفاقوس حتى وصل إلى  مقربة  من  المنزل

فأستدارت  سحر  ناحيتة

وزاد بريق  جمالها  نورا ينسكب  على فؤادة  فغاص فى تأملاتة  وتوهم أنها ربما تصفعة  على وجهة لتلقنة
درسا  لا ينساة  .. فبدى وكأنة  يتحسس أثار  لطمتة

وتنفس الصعداء إذ    التفت الية  سحر قائلة : ها  قد وصلنا لبيت   .. قل لي  حضرتك  عايز أية منى بالضبط   فقال  فى تلعثم تام
:  انت  مخطوبة يا آنسة
فقالت  ببسمة مشرقة : لا
إتفضل بقى أمشى

فقال : لا  واللة  أنا  جاى
أخطبك 
..إستدارت دون ان  تتكلم  كلمة واحدة   واتجهت الى
منزلها  ثم دلفت الى داخل البيت  .. كان البيت  من طابق  واحد  وقد بنى حديثا
ولم  يزل فى مراحل التكوين  والإنشاء ..  أغلقت
سحر  خلفها الباب  .. ثم
سمعت  طرقات  على الباب

فقالت  لأمها  :  يظهر  .. يا أمى  ان هناك  شاب  كان
يسير خلفى  وسألنى إن
كنت مخطوبة أم لا  .. وقد
تابع  خطواتى  حتى البيت

فقالت الأم : افتحى الباب
ياسحر  نشوف مين

.. وجدت سحر   هذا الشاب

واقفا فى حياء  يتصبب منة العرق  فقالت : هو إنت
.. كانت الأم  خلف  إبنتها
فقالت لة :  خير يأبنى  فى إية ؟

قال :  خير يا حاجة ممكن
أدخل 
قالت الأم : إتفضل يأبنى
.. دلف سليمان الى الداخل
فى حياء  وتسمر فى مكانة
عندما وجد  كنبة طويلة قد
فرشت بملائة  سرير  ..
فأستجمع  كل قواة  وإمتطى  جزء منها  وجلس  وكأنة
غاص فى مقعدة  .. ولم ينطق  بكلمة .. فنظرت
الأم الى إبنتها وقالت لها
: إعملى شاى  للضيف  .. وإبتدرتة  قائلة  اسم الكريم إية ؟  فقال : أنا إسمى سليمان  يافندم
ومازال  العرق يتصبب من جبينة    فأردفت الأم قائلة:
وحضرتك عايز إية بالظبط
فنظر اليها سليمان وقال فى تلعثم : اريد أن أخطب ابنتكم   إن ماكنش عندكم مانع ...
فقالت الأم  : انت يابنى شايف  قد إية  احنا على قد
حالنا  .. ومانقدرش دلوقتى
نجهز البنت للزواج   احنا لسة طالعين من  مبانى شحورتنا وابوها  (على ) ..
عامل  نظافة بسيط فى مجلس مدينة  فاقوس ورغم  كدة   حضر لخطبتها  شاب  ثرى جا  من أغنى اغنياء الصالحية القريبة من هنا  وعندة  أطيان  وفدادين ... والحقيقة أهلة  لما  شافونا  على قد حالنا  إستعروا مننا  ورفضوا أن إبنهم يرتبط بأبنتنا  ومع ذلك فإن الشاب مصمم أن يتزوج من  سحر رغم أنف   أسرتة لكننا   إشترطنا  قبل أى شىء أولا  رضى أهلة ..  إما  البنت  فكانت مقتنعة  بكلامنا  وقالت لة :   موافقة أهلك اولا  .. ولا يمكن أدخل بيت    فية  حد  لا يقبلنى أن اعيش معهم ... دى الحقيقة  يابنى  أقولها لك  قبل أى كلام  تانى .. وقالت مايهمنيش  صاحب عزب
وقطيان 
نظر  سليمان  الى  صراحة الأم   معجبا بصدقها وطيبتها  .. فقد كانت
الأم  ست  طيبة  ريفية  تتكلم  بشفافية وصدق  ليس
لديهم  أى نوع من اللف  والدوران  ملامحها  تدل
على الطيبة  والنقاء وصوتها  يحمل  الهدوء
فى طياتة  والأمان فى ذاتة..
ويفتح فرصة الأمل فى قبول  سليمان  كعضو من أعضائة
فالأسرة طيبة جدا  وحضر الأب يحمل مقشاتة وادوات  النظافة    كان  قد أقترب من الستين من عمرة أو من سن إحالتة إلى المعاش وقد  دلف الى  الداخل  وفى يدة  جريد نخل  وبوص  ويحمل  حزمة كبيرة  خضراء من زعف النخيل  .. دخل  بخطوات وئيدة متباطئة  ...
ونظر الأب  الى سليمان متفحصا  ثم أردف  قائلا  : سلام عليكم .. أهلا بالباشا   ..
نظر  سليمان الية  مندهشا
من قدرتة  على حمل كل   هذة الأدوات  رغم كبر سنة واردف قائلا : عليكم السلام ورحمة اللة وبركاتة ... فقال 
الشيخ  على  : تشرفنا   خير يأبنى فى أية ... قاطعتة أم سحر قائلة بإبتسامة : الأستاذ  سليمان عريس جاى لأبنتك سحر   مدرس قد الدنيا  ..  كانت الأم
أمرأة  تقية  نقية  مشرقة
ولكن الشقاء  رسم تجاعيدة على وجهها  الجميل ..  نظر  اليها سليمان  وقال
أنا  أحمل مؤهل لكن لم أستلم  عمل حكومى  لكنى
اعمل فى مدرسة خاصة بأجر واعطى دروس خصوصية  وممكن  أن
أجتهد أكثر واحقق لأبنتك
السعادة  فقالت الأم : انا ديما أفضل  واحد  من توبنا زيك تماما ...
لكن البنت أهى   قدامك  المهم رأيها   هي .. نظرت  سحر الي  سليمان  بتفحص  تام وقالت : الرجل
مايعبهوش إلا   جيبة 
فقالت  الأم : يبقى على خيرة اللة بس الأول  نعرفك وتعرفنا  ..  ونظرت الأم الية واردفت قائلة :  سحر  بتساعدنا  فى المعيشة وبتشتغل  عند  دكتور  سعيد
فى المنية  ... فقال سليمان:
إن شاء  اللة لن تحتاج الى   شغل  تانى   سأعطيها  مايدفعة  لها الدكتور  سعيد
شهريا  من أجر على أن تترك هذا العمل فهذا الجمال لا يجب أن يشقى أبدا ..
فقالت الأم : الكلام  دة سابق لأوانة  .. بعدين  لما تخطبها وتبقى ليك
نظر سليمان  وتخيل  هذا الجمال سيكون ملكة  ولة   وها قد يملك  الدنيا  كلها بجمالها فأهتز  قلبة وغمرة السرور وأردف قائلا : ان شاء اللة
.. وتمتم بكلمات  فى نفسة هامسا   : هل انا فى حلم  ام
علم  ... انة درب من دروب  الخيال
يسطو  علي عقلة   .. واخذ سليمان  عنوان  العيادة التى تعمل  بها  سحر  .. وكم كانت الأيام  كفيلة ان تجمع
القلبين فى حب وعشق وغرام ... حتى صار سليمان مدمنا  لأنفاسها حين  تقترب  منة  هامسة : احبك يا سليمان   كان يقترب منها أكثر ويقول لها  : أحبك ياسحر  .. فقالت لة  بأبتسامة  وضاءة على فكرة أنا إسمى الحقيقى : سهير  مش   سحر   عشان لا تفاجىء  عن عقد القران ..
إبتسم سليمان  وقال  : انت
أروع أنثى  وارق ملاك 
وقد تكونين سحر  للقلب  ووقد تكونين سهير للفؤاد

وسأسعدك  سعادة غامرة  وانا  أبدا .. لا ولن  أطيق البعاد  عنك  فقالت سحر لة بإتسامة وضاءة  : إذن اسرع  حتى نكون  لبعض ..  اجتهد  سليمان   بكل ما يمكنة  وظل يجاهد  ليل نهار   يعطى دروسا خصوصية
حتى  إستطاع أن  يقدم
لها الشبكة المتواضعة وقامت  الأم  بأحضار بعض  مقتنياتها القديمة من الذهب الخاص بها التى  تدخرة للزمن   .. لتضعها فى معصم إبنتها  ليلة الخطوبة
وكان فرحا  متواضعا أيضا لكنة كان  يحمل  كل السعادة

لسحر وسليمان ... الذى  ظل  فى مواكب الحب  يقدم
نفسة ويحضر   الى فاقوس  كل  خميس  ليقيم عند خطييتة  سحر حتى  صباح
الجمعة  فيودعها  بقبلاتة
الممتلئة شوقا وهياما وحبا
وقد  يعود  ليجد  فى منتصف الأسبوع   عدد من
الرسائل   قد أرسلت الية  بعدد أيام البعاد  التى قضاها بعيدها  عنها .. مما زاد ولعة وجنونة بها  حتى شعر أنة لو   فقدها  سيتوقف قلبة  عن الدقات وتنتهى  بة الحياة .. كان على سليمان أن يسارع الزمن  ويسابق الخطى  كى يفوز  بحبيبة
قلبة  ...  وكان  صديقة حسن دائما يؤازرة  ويشد من عضدة  مما دفعة  الى أن يحضر  صديقة  حسن كى يخطب  أختها  جيهان
أيضا  ..  ومضت الاحلام تتقاذفة   يمينا ويسارا  ...
وهو  لا يدرى   ماذا الزمن
فاعلا .. بة  لو تقاعس  يوما
واحدا  ... وظل يكافح بشدة

وفى أثناء تخيلاتة  وتصوراتة  أن الصبح آت
لا ريب   فية وان سحر   سوف تكون زوجتة ... فقد
إنطلقت دراجة بخارية بقوة
وصدمتة  صدمة عنيفة  ظل
فاقد الوعى   مدة طويلة ووجد نفسة  لا يستطع الحركة  وهو  .. راقد  فى مستشفى جامعى يتلقى العلاج   لمدة ثلاثة أشهر
خرج بعدها  .. يستجمع  قواة   ويعد ما أدخرة من مال متوجها الى بيت  خطيبتة  وطرق الباب :
وفتحت الأم الباب  فأنتابة لوعة شديدة  وقلق   واردف قائلا :  سحر  خطيبتى فين ؟ ... نظرت الأم بعينين  دامعتين   قائلة : عوضك على اللة  ... سحر يأبنى إتخطفت

فقال  سليمان وهو يصرخ  صرخة المذبوح  من الألم :
من خطفها  .. فقالت الأم  وهى تهيل على وجهها التراب   خطفها  خطيبها السابق  الغنى   بعد أن اطلق  أعيرة نار من مسدسة
وقال لا أحد   سيتزوجها غيرى  وحملها  ومعة  ثلاثة شباب أقوياء  فى عربتة المرسيدس الخاصة بة ..
الى  حيث لا نعرف ولا نعلم
كانت الصرخة المكتومة والمكلومة من  أم سحر تدل على صدقها  التام وكانت
صرخة سليمان تدل على أنة قتل  ... ولم يبدى حركا  وكأنة فقد وعية تماما لمد   طويلة لم يستطع أن يسترد وعية ألا من  صوت  الشيخ  على والدها  وهو يقول الدنيا فانية يا ابنى ولا دايم إلا اللة    عد لرشدك وآمن باللة  كل  مكتوب  ... ولو كان لك  نصيب  لو إجتمع أهل الأرض كلهم من إنس أو جن  لن يضروك بشىء
أو يأخذوا منك شىء  قدرة اللة  لك أتق اللة   .. الجمال جمال الداخل لا الخارج  ..
فلا تنظر الى جمال الدنيا قد تفتنك وقد تغرك ولن تسلم منها  الا بتقوى اللة  .. واخذ يبكى سليمان بشدة وفى لوعة  .. أخذت الأم  تطيب بيدها على كتفة
وقالت لة  بحزن : ألم أقل  لك  أعقد عليها قرانك  اليوم

عندما لاحظت أنكما  معا فى حجرة  مغلقة وخلوة   فصرخت وقلت :
ابنتى ضاعت  ... فلم  تستجب  لكلامى وقلت لي :
لا ياحاجة واللة ماحصل شىء ..  أنا فقد  أتفحص هذا الجمال  الخارق بقبلاتى
وانا حريص جدا أن احافظ عليها ...  لكن شعر إبنتى  كان منكوشا  .. فصقت  كان
ممكن  نحضر المأذون  وتنتهى  الحكاية  التى ظلت ترسم فى  صدر   سليمان علامات إستفهام  طويلة المدى    هل من الممكن  ان
يغير الزمن  وجهة  إذا  كانت  هناك عوامل أخرى  خارجة  عن نطاقة .. وعاد
سليمان الى  المستشفى  مرة أخرى مصابا بإنهيار نفسى  فلم يستطع الزمن أن  يطببة
لكن عجلة الايام   كانت تدور  ... وكانت يتحرك سليمان  فيها  كالصبور  يمسك بزمام  جرحة كى يقوم  ويضمدة فى ضمور ويسترجع همتة فى التى إفتقدها فى فتور ... ويتذكر كل هذا الجمال والنور الذى شاهدة فيعود ويثور ...
وفى فاقوس  كم كانت لة مدينة السعادة الغامرة   وعلامات النشوى التى  غمرتة والسرور     والتى إختتمت نهايتة بجرح نافذا الى الصدر   يغور ... وتحركت عقارب الساعة  تدور أى من الزمان  يلف  مرة اخرى  فى تقارب أو نفور .. وأين تلك الأيام   الساحرة  أو هذة الفتاة  بدر البدور ...  حتى أتت الأيام  ... بما  قد  يفور ... ولا يمكن التنبأ  بة  إلا  فى رحلة أخرى  الى  محافظة أخرى ومدينة أخرى  وحي آخر  .. فى القاهرة .. الى
بولاق  ...  كان   سليمان
فى زيارة   أخية  أحمد  وهو    يشغل منصبا   كبيرا
فى إدارة الكهرباء  بشارع
26                يوليو بالقاهرة  .. وكان  شارع  الصحافة  وبة السطور   ومن خلفة يقع حي بلاق
وفى إنظلاقة مرة أخرى  بعد  أن مرت  شهور  فى
حزن وإكتئاب وضمور  ..
ووجد  نفسة منطلقا  يحركة الشعور  أنة سيجد

من  يعوضة  الحب  ويعيد
الية  السرور   و
الدقات الى القلب الصبور
الذى  تلقى الكثير  من الطعنات  والكسور ...

كانت نادية  صلاح الدين

الفتاة الرشيقة الشقراء تحمل للقدر  علامات كأنها
ملاك  هبط من السماء  لكنها  تسير على الأرض
فى كبر  وخيلاء  .. تشع
من عيونها الذهبية  انوار واضواء  برتقالية تلمع
كأنها جوهرة  ذهبية  تتلألأ
فى بهاء  ..  لم يستوقفها  سليمان  كما فعل سابقا  بل
أقتفى أثرها فى ذكاء .. حتى  دخلت فى حوارى بولاق  خلف المطابع المقامة  هناك  .. ومازال يلهث خلفها  برجاء ألا  ..
تختفى نظرة  عنها   فينعدم
الأمل الذى كبر  فجأة  وجاء  ..  يحمل البشرى والخير والرجاء  الى قلبة  المثقل بالجراح  .. والذى
إمتلأ  بالألم   والرثاء ..
وظل متابعا   حتى  دلفت  نادية الى داخل  بيت مظلم
فى الخفاء مكونا من أربعة طوابق عرجاء  وكأنة قد تم بناؤة  فى زمن القدماء
..  تحسس  السلم ودخل خلفها  حتى وصلت الى الطابق  الثالث وكلها تدفق أنثوى  وجمال وحياء .. ثم  ضغطت على باب شقتهم  ضغطة  خفيفة ودخلت وأوصدت الباب  خلفها  .. ولم تشعر

إلا بأقدام خلفها تتبعها فى إشتهاء  ورجاء   ...  انتظر  سليمان
برهة  حتى يسترد  أنفاسة أثر السلم المتعرج  والمكان الذى يفوح فية رائحة  القدماء ..    وطرق

سليمان الباب  ... فقامت سعدية  بفتح الباب  وقالت
بلهجة حادة  : عايز  اية

ظل سليمان متسمرا من لهجتها  وقال فى نفسة  ربما  خرج عليك أهلها يضربوك بالنعال ..  لكنة
نظر  الى من قامت  بفتح
الباب  كانت سعدية أختها الأصغر بعام  وهى  حادة اللهجة  جشة النبرات ...
جادة فى  تعاملها  كما إعتادت البنات ..  نظر اليها سلينان بتمعن لم تكن هى  نادية التى  خفق قلبة لها   ولا تشبهها أنها فتاة   ثمينى  مستديرة الوجة بيذاء جدا وملامحها  تدل على الصرامة والدهاء ..
اردف  ثم قال : ممكن ادخل  اتكلم فى موضوع هام 
 نظرت الية  سعدية وقالت بصوت أجش : موضوع أي يا ادلعتى   هو إحنا بتوع مواضيع  أتفضل إتكل على اللة ..
أردف  قائلا  : ممكن نتكلم
جوة  ما ينفعش على السلم ارجوكى موضوع خير  ..

نظرت الية سعدية وكادت تغلق  فى وجة الباب  قائلة : مافيش كلام اتفضل انزل 
نظر اليها سليمان فى إستعطاف قائلا :  طب ابعتيلى حد كبير أكلمة لو سمحتى ..
من   جوة
فقالت سعدية بحزم ولهجة حادة : من جوة  اية يا افندى  يامحترم انت عايز  أية بالضبط  .. فقال

لها  بخجل تام :  عايز  حد

كبير   أكلمة

سمع  سليمان  صوت أم  نادية  تقول :  فى اية ياسعدية مين على الباب

فقالت سعدية : واللة ماأنا عارفة مين   واحد أخرس ما بينطقش الا بكلمة عايز  حد أكلمة عايز ادخل
نظرت   نادية من الباب قائلة : حضرتك  اللى كنت ماشى ورايا   أنا لمحتك بس قلت  فى نفسى  عديها
وبلاش تهزئية 

فقال سليمان وهو فى قمة الخجل :
واللة انا   جاى بس أسأل واعرف إن كنت حضرتك  مخطوبة والا  إية ..؟

فقالت : حضرتك  عريس
ونظرت الى أمها  قائلة عريس تانى يماما جاى يخطبنى 

فقالت أمها :  خلية يدخل يا ابنتى لما نشوف إية ..

قالت  نادية  : أتفضل ادخل

... دلف  سليمان  الى الداخل  فوجد كرسى متهالك فرأى فى المدخل سرير  حديدى قديم  .. وترابيزة  أثرية
وصورة لحياة  غير أدمية  .. تعيشها هذة الأسرة البائسة  .. فقال  سليمان فى نفسة  : أياهذا الجمال

أهذا مسكنك  ..  هل  ضاقت الدنيا يهذا الجمال
فجعلت هذا مسكنك  أكفرت بالجمال ولم تستطع
أن  تمكنك ..
أن تبسط  عرشك على هذا الجمال يوما   وتسكنك
فى قصور  عامرة  فى من الخيالات وصور والوان قد تلونك
... أم تركتك  للخيال عابثة لتأذنك  ... كم عمر الطوب
الذى  منة لبنتك  أم هذا فى غير المجال  الذى لون خديك  بحمرة وجنتك..

فلا جدال  ان الحياة قاسية

وكم تعلمك ... فأرحل ايها
المسافر  فى طائرتك  فلا

هناك قلب قادر أن يقدر

رغبتك ... وكم  اهتزت الدموع  من  مآقى سليمان

واسرع  يقول للأم : هل انتم  ساكنين  هنا
من زمان يا افندم

فقالت الأم :  ابوها صلاح
بيعمل فى   محل أقمشة فى شارع 26  يوليو   وهو مشهور  قوى  هناك  ومحبوب ومعروف من  الجميع   .. ووثبت الأم متعلقة بصورة  على الجدارن معلقة على الحائط   لتطلع سليمان على صورة    الزوج  صلاح الدين  ..  كان الرجل أشبة بالأجانب
عيناة زرقاوتان   و وجة
أبيض مشع ضوء ا  ووسيم للغاية وقد جاوز الأربعين عاما تقريبا  إما ابنتة  فقد إكتملت العشرين  ربيعا  وكلاهما  إستمد الجمال من أجدادهما الأتراك   فتركوا
أثرا بالغا للجمال ...  وتفحص   سليمان الصورة 
وادرك أن  أبنتة نادية  قد أخذت هذا الجمال من بكرة أبيها دفعة واحدة ..   وصمت سليمان برهة  ثم قال  : انا جاى أخطب  الآنسة نادية  ممكن 
فقالت الأم : ماعندناش  مانع بس نتعرف عليك الأول ونأخذ رأى البنت   مش الشرع بيقول  كدة  صح  والأهم   تحضر معاك أهلك وقبل
كل شىء لازم  تعرف   ان ظروفنا  صعبة  جدا للغاية
انا لسة طالعة من جوازة أختها الكبيرة  ..محاسن وماعنديش قدرة  ادخل فى موضوع تجهيز   دلوقتى
أن كنت عايزها   فعلا  ..
حمل وشيل ان شاللة  تنيمها  على  حصيرة احنا راضيين  .. بس      هى  تقول لازم  توافق وتقول كلمتها فيك   وبعدين
تجيب اهلك 
نظرت الآم الى إبنتها وقالت : إية رأيك فى العريس دة  يا نادية أنا شايفة  أنة مناسب شكلا ومقبول    وباين علية أبن ناس واحنا بنشترى راجل ..
رأيك  يجيب أهلة .. فنظرت  الية   نادية وقالت :  مافهوش عيب ياأمى بس حتى نتعرف هو  مين ومنين وبيشتغل فى إية  وعنوانة فين نسأل  عنة

فقال سليمان بخجل : أنا
أخى  أحمد  مدير عام إدارة  الغاز والكهرباء   شارع 26  يوليو بجواركم
 وانا بعمل فى التدريس وأستاذ فى مدرسة خاصة  والتحقت   بمعهد  كيما التكنولوجى  بأسوان  وسوف أتخرج منة قريبا  مهندسا ..إن شاء
اللة
نظرت الأم بفرحة وقالت:
زغردى يا سعدية   خطيب أختك مهندس  قد الدنيا ..

ومن السهل نسأل عنة 

فخالك فتحى    بيشتغل فى أسوان

يبقى  العنواين موجودة من خالك ومن  أخوة  أحمد   فى  شركة الغاز والكهرباء والف واحد ممكن يدلنا

.. نظرت أبنتها سعدية  وقد تقدمت أحد  الساكنات بالدور الرابع وهى أمرأة محبة لأم نادية  وهى الساكنة الوحيدة فى الطابق العلوى وقد سمعت

كلمة زغردى يا سعدية فأنطلقت الزغاريد من كل مكان  ...وتجمع سكان البيت
المتهالك ليباركوا لهذة الست  الطيبة أيضا  والتى
كم أعادت الى  سليمان  تلك الذكريات  السابقة  والتى  جعلت فى قلة جرحا لا يندمل آن للأيام أن تضمدة   بحسناء   رائعة الجمال  قد لا يجود الزمان  بمثلها أبدا فى الحسن وفى القوام وفى الصوت الملائكى الذى ينساب  كسيمفونية تهز عرش وأوتار القلوب وتبغى الكمال  وتملأ  القلب سعادة وسرور  وإشتهاء  وكم ذكرت  سليمان  دوما أم  نادية .. بأم
سحر  .. فهناك تشابة  بينهما   حتى فى اللغة والاسلوب  والطيبة ...
وادرك سليمان ان  القدر
قد  كافأة  بعد أن سلب منة
حبيبة قلبة  ..  وعوضة عنها خيرا  ...  إبتسم   لكن  إبتسامتة ملأها  الشحوب  .. فهو  لم يعد

يصدق أن  الدنيا   ستظل تبتسم  لة   دوما وقد تكشر عن أنيابها   فى أى  لحظة
.. ومرت شهور  تخللها
تقديم الشبكة  الشكلية التى
وافقت عليها أم  نادية بعدما   سألت  عن  سليمان وتعرف  الوالد  صلاح على  أخية الأستاذ  أحمد

..  دخل صلاح    مكتب الاستاذ  أحمد فوجدة  فخما
يليق بة  كمدير عام  .. وبادرة  قائلا :  هل أنت الأستاذ احمد أخو الأستاذ
سليمان   .. نظر   احمد الى
الرجل  الذى سألة  كان رجلا  أنيقا  وكأنة  يشغل
منصبا رفيعا فى دولة  أجنبية  كان  حقا  وسيما متألقا  بسيط الكلمات ..
وابتسم أحمد  قائلا  : وهل
أخى سليمان وصل الى
هنا  ..  فقال الرجل : هو
طالب يد إبنتى  نادية
واخرج  صورتها لة وقال  هاهي   بشحمها ولحمها
وممكن تشرفنا  تشوفها..
نظر احمد  الى الصورة وابتسم وقال  انا اعرف أخى جيدا لا يهبط الا على  الممثلات  الجميلات جدا ..
فنظر  صلاح الية  قائلا : أبنتى ست بيت  ولم تحصل الا على  شهادة
الدبلوم التجارى فقط  وهى ست  بيت  انا محبش اشغل  بناتى ..
فقال احمد : احسن ياشيخ  هو   شغل البنات  مابيجيب الا  النصايب .  ..  نظر الية   صلاح  وقال : صحيح  يا افندم

أحضر  الساعى  فنجان
القهوة    وقال لة إتفضل يا افندم  ..  فقال الاستاذ  صلاح   لا   ممكن أستأذن
أنا    وهمس  أحمد  اتشرفنا  بك  يا استاذ  صلاح  ... فنظر الية  صلاح  وقال : المهم  اننا اتعرفنا على  ناس  كوييسين  وبس  ولازم تشرفنا  فى الفرح..
إنتهت الاجازة  الممنوحة
لسليمان  بعد أن تمكن قلبة
من حب نادية وأصبحت  هى ذاتة  وهواؤة وكل شىء  فى حياتة   فقد تعلق

قلبة بها بحذر وكان يقول لنفسة  ياقلبى  لا تفرح بشدة  فربما يداهمك  الشقاء  فجأة  .. واحذر  مما  قد يخبئة لك  القدر خلسة  .. أنها الأيام  تمضى ولا  نعرف  كى تمضى  خافية  ... كم من الأحلام  نحلم  ثم نصحو
على  هوية  ...  وكم تحملت  الشقاء وكم قست الأيام  عليّ  ... فتحمل ياقلب  ماقد يطرأ عليك أن

كان خيرا أو شقيا  ... ومضى  سليمان يكتب  خواطرة   بعفوية ويسأل نفسة   هل    سينال يوما هذة الحورية  ... أما  أخية
أحمد  فقد رفض  تماما الدخول  فى  زقاق  بولاق
وخاصة  الصعود فى هذا المنزل المتهالك  وقد يظن أنة ربما  سينهال على  رؤوس  من فية من السكان

فأبى الصعود على السلم وتراجع  موبخا أخية  سليمان  أنة قادة الى هذا البيت   المتقادم  الرث ..
.. ومضى  سليمان  الى
معهدة  فى أسوان .. وكان

كل  يوم  ينتظر   رسالة

تأتية من محبوبتة نادية ..

ومرت الشهور  ...  وكانت  أجازة آخر العام
الدراسى  ..  وسارع الى
بيت  حبيبتة  نادية  .. فقابلة  الشاب موهوب الذى  كان دائما  يلقى بالنكات  على مسامعة  ويعمل  مساعد بالسينما
ويسكن بدروم هذا البيت المتهالك  .. قابلة بإبتسامة
قائلا :  معروض على الست نادية دور   بطولة فى  فيلم  من افلام يوسف
شاهين ...

.. غضب  سليمان ونهرة وقال  لة  أياك وهذا الكلام
الفارغ  ...  وصعد  السلم فى قفزة  واحدة معرضا نفسة  للأصابة  إذا اختل توازنة   وطرق الباب وفتحت  لة    نادية  فدخل يصرخ  غاضبا  :أصحيح
ماقالة  موهوب  بأنك  تنوين  التمثيل فى فيلم  من  إخراج يوسف شاهين  فقالت :  لسة منتظرة موافقتك  فقال لها بلغة   آمرة إنسى هذا الموضوع تماما وإنسى التمقيل نهائيا
...فقالت بإبتسامة  حاضر   يا افندم  ...  مرت الايام  جميلة  رائعة   يداعبهما احلام  المستقبل والعش السعيد  ويؤرقهما حاجتهما
الى المال.. وقد فقد سليمان وظيفتة  كمدرس  واصبح

طالبا  ...   ليس معة ما ينفق  على خطيبتة  ...
.. واقترب  موعد  سفرة
بعد إنتهاء اجازة آخر  السنة  ..  ولم  يعد  يذهب
الى أخية أحمد  ليقرضة مبلغا  من المال  سوف يردة  حين يسر  أو انتهاء

عملة  ...  وآصر أن يبيع ساعتة  ... وذهب الى بيت  خطيبتة  نادية وقال  لها :
احنا  حنتفسح اليوم   حضرى  نفسك   فقالت فى سرور :  اوكى حبيبى  حالبس حالا  ...  وارتدت  نادية ازهى  ملابسها  وكأنها  فى حفلى عرس وتخاطفتها الآبصار ..

كانت كملاك  رائع  يهيم على الآرض بخطواتة  فيزيد  فى الكون  فتنة وبهاءا  ... وفى الأرض
روعة وضياءا  .. وكأنما
تنظر الية نجوم السماء
لتمتزج منة  ضوءا  وجمالا ... وتجركت سيمفونية الحياة تدق وتشدو على وتر جميل من اروع الغناء .. وكأنة صوت القدر  قادما من السماء يسكب  على  المحبين   أروع الغناء ..
وتحركت اروكسترا القلب تشدو على وتر الفؤاد   السعادة والهناء ... وتحركت انامل   نادية متشابكة مع أنامل سليمان
فقد كان اليوم جميلا باللقاء

والقلب  غامر بالمحبة والرجاء يسكن  بين جنبية 
السعادة  والهناء ...  ورجع

سليمان الى سريرة  يسأل
نفسة هل هو فى حلم أم خيال هل الدنيا أخيرا إبتسمت لة فأعطتة أكبر جرعة من السعادة والهناء
..  عاد سليمان الى معهدتة ودقات قلبة  تقفز من بين   ضلوعة  فى رجاء ..  وتتقاطر   قفزات قلبة فى انحناء  ...   ها الايام تمر  واصبح الأمتحانات  على الأبواب ...  واقترب موعد اللقاء  ...  ففكر فى أستئجار  شقة لة فى أسوان
وتجهيزها بأفخر الأثاث فإن راتبة سيكون كبيرا  قادرا على الوفاء  وتعاهد مع صاحب الشقة وتعاقد
عند الإنتهاء من الأمتحانات ... وعندما تأكد
من أنة أضحى  لة مكانة
ومرتبا  يفى بالوفاء  وعلت فرحتة بالنجاح

أبلغ خطيبتة  برسالة عاجلة
أنة  سيستعد  لأجمل الأفراح  بأخذ   عروستة الى اسوان   حيق يتم الزفاف  ... أنتظر  ساعة فساعة    وعاود  رسالة فرسالة  وانتظر يوما وراء يوم  واسبوعا وراء اسبوع لم يتلق ردا .. اسرع  الى  القطار  المتجة الى القاهرة
وركبة وهو   يفكر  هل  عروستة  عادت  الى العمل  فى  السينما أم  أنها
مريضة أم ماذا حدث لها  وامتطة الافكار والقلق  وكأنها  النار تتعلق بة  فتستبد  بوجدانة وانتزع أحلامة  فظل يصرخ فى كيانة ويقول ماذا جرى لحبيبة قلبة  ... وجأة الخبر مدويا    حبيبتة  قد ماتت
فى حادثة ... فلم يصدق
وظل  هائما يبحث عنها فى كل مكان .. شعرة منكوشا وينادى  نادية نادية

لكن  فات الآوان .. وانتهت  قصتى حب  غناها الشفق وتحركت نحو المغيب فى الأفق  إنتهت /  بقلم ابراهيم خليل 
رئيس تحرير جريدة شموع الأدبية  الورقية ورئيس تجرير جريدة
التل الكبير كوم
//////////////////////////
   
 

    
    
  
       

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة