رواية ثورة الغضب ===2==
.. نظر اليها بيومى أفندى وقال على كل حال كتر خيرك أنا لولا مقيم فى مساكن السكة الحديد كنت بقيت فى الشارع واهى مدارس العيال جنب السكن وبكرة تتعدل .. كان بيومى أفندى يفكر بجد فى موضوع المال وكيف يحصل علية بسرعة مثل على الأهبل وفى نفسة محاولة الحصول علية بأى طريقة وإن كانت التسول.. وخاصة حينما فكر فى موضوع كسر يدية وهى مازالت تحت الجبس .. وسيخرج من المستشفى ويعود لفك
الجبس بعد أسبوعين .. تجرأ بيومى أفندى وقام بتغطية رأسة بكوفية وطاقية حتى أخفت ملامح
وجهة وعند مزلاق بعيد
وقف يمد يدة السليمة وأستطاع أن يجع من النقود مايوازى راتب نصف شهر .. فتهلل وجهة فرحا وإستمر على
هذا الحال عدة أشهر ...
يخرج من عملة الإدارى
وينصرف وفى مكان متوارى يرتدى عدة الشغل ليقوم بالتسول
ومرت الأيام والشهور وتحقق حلمة فى أن يجمع مبلغا كبيرا .. وطرق باب
خديجة وكانت المفاجأة بيومى أفندى وفى يدة حقيبة مليئة بالمال .. ونظرت الية خديجة وقالت : يخيبك إية اللى جابك أنت عارف لو شافك جوزى على حيكسر راسك المرة دى ويمكن
تموت فيها .. وإنت عارف
المرة السابقة كان موقفة فى قسم البوليس قويا لأنك إنت اللى تعديت على بيتة
ومراتة وكانوا حيحبسوك إنت مش هو .. المرة دى مالكش دية خالص .. نظر اليها بيومى أفندى بإستعطاف وقال : أنا جايب ليكى مال كتير عشان تعرفى المال مقدور علية ونلم شمل الأسرة والأطفال اللى متفرقين ونعيش فى إستقرار .. ويمكنك أكل اللحمة مرتين فى الأسبوع فى أكتر من كدة حاجة .. نظرت خديجة وقالت : اللى إنكسر
مابيصلحش يا بيومى وإنت طلقتنى خلاص وصبحت فى عصمة راجل تانى .. قال لها بحدة :عشان عيالك وبنتك هيام كبرت وبقت
على وش جواز .. ومحتاجة ليكى .. قالت ببرود : ما اعتقدش دا البنت طلعت قلبها زى الحجر دى ما بتزورنيش وفى آخر مرة
قالت لي بعضمة لسانها أنا
مش ممكن أسامحك أو أبص فى وشك .. تسيبى أبويا بيومى أفندى المتعلم .. وتعيشى مع العبيط المتسول اللى مابيعرفش الألف من كوز الدرة .. إنت فضحتينا
وأنا مش طايقة أشوفك تانى ياريت ما تسأليش
عنى خالص أنا لو حموت من الجوع مش جيالك ..
وذرفت دمعة على خدها الناعم ظلت تترقرق كأنها البلورة تسقط على طبق من فضة .. نظر اليها بيومى أفندى وقال : ارجعى لعقلك ورشدك يا خديجة وكملى حياتك معايا أنا وولادك .. نظرت خديجة وقالت : بحبة .. بحب على يابيومى أعمل أية بس يقطع الحب وسنينة .. قال بيومى : ضحى عشان أطفالك الحب يتعوض فى حبك لأطفالك ... نظرت الية وقالت : أنا دلوقتى حامل منة الزاى أفكر أسيبة وهو اللى بيشقى عشان يسعدنى أنا مش قليلة الأصل ..كلامك ماعدش ينفع ياسى بيومى ..
تشابكت الأحداث بتشابك الزمن وتداخلت المواقف صانعة المحن .. وكلا الطرفين من يدفع منهما الثمن ..فقد نسجت على خيوطها هذا الظرف الخاطف بعد أن تمكنت خديجة من صناعة زوجها المعدل وفضلتة فى كل المواقف .. فكم رودتة وجعلتة إنسانا جديدا يتفهم الأمور وعارف .. بعد أن
كان لا يفقة شيئا عازف عن كل أمور الدنيا .. وأصبح على العبيط لا يفتح فمة مطلقا إلا عند الكلام فقط ولا يدلدل لسانة
.. بل يحرص على أن يدخلة فى حلقة حتى إذا الريح عصف .. تعلم بنفسة حلاقة ذقنة وتصفيف شعرة وإرتداء جلباب نظيف وتغييرة إذا إكتشف إتساخة .. وغسل وجة بالماء والصابون جيدا بعد أن كان علية دائما التراب والغبار والصماد .. هبو الدخان كان على وجهة يرتشف ... أصبح على المعدل يستمتع بحياتة وكانت خديجة مفتونة بشبابة وجسدة القوى وكأنة شاب رياضى مفتول العضلات .. أصبح شيئا آخر لم تكن خديجة قادرة على التضحية بة أبدا فهو
لم يتجاوز الثالثة والعشرين وبيومى أفندى الثالثة والأربعين والفرق شاسع فى البنية الجسدية مابين شاب قوى البنية ورجل عادى ليس فية مايثير وما يميزة عن غيرة .. كان رجلا كأى رجل ..
ولكن هنا فروق جلية وواضحة بين متعلم ومثقف و ساذج وعبيط .. الفرق واضح لكن على المعدل إستطاع أن يجمع المال الوفير لخديجة وأن يقدم لها الولاء والطاعة دون تغيير..
أدرك بيومى أفندى أن كل محاولاتة باءت بالفشل الذريع وإن ماجمعة من مال لا يفيد فى إصلاح
شىء وخاصة وخديجة حامل من على العبيط ...
أهمل بيومى أفندى كل شىء حتى عملة ولم يعد
يتسول كما كان .. وبدأ ينفق ماجمعة من التسول فى صالات القمار وشرب الخمر .. وكان يأتى ليلا
وهو سكير ويتفوة بكلام غريب مثير أمام إبنتة هيام ..
تلك الفتاة التى ورثت كل هذا الجمال من أمها بل تفوقت عليها فكانت كحورية من ينظر إليها كمن ينظر الى أجمل وأرق فتاة ذات إنوثة طاغية ..... وكم سئمت من تصرفات أبيها كل ليلة وهى تبكى قائلة : إن أبى سيجن ويفقد عقلة إنة ينادينى بخديجة ويبث غرامة وشوقة إلى ولا
أستطيع منعة عن شرب الخمر فقد تعود علية وعلى الرجوع بعد منتصف الليل
سكيرا ... وعندما لم تجد حلا كما لا تستطع أن تعود لأمها فقد قررت
الهرب من هذا البيت وذلك الأب الذى فقد آدميتة وأحضرت حقيبة ملابسها
وخرجت الى الشارع تبحث عن مكان آمن .........
ظلت تهيم على وحهها من مكان إلى مكان ومن بلد الى بلد حتى أعياها التعب وتورمت قدماها فوجدت نفسها تتكأ على
علب الكرتون المتراصة
حول محل بقالة ولم تستطع تحمل الوقوف فجلست بين ثنايا هذا الكم
من الكراتين الفارغة حتى
غلبها النعاس وحقيبتها خلف رأسها تستند عليها
وإستغرقت فى النوم حتى
بدأ صاحب المحل ينادى
على إبنة حازم قائلا : أدخل كل هذة الكراتين فى المحل يا حازم كى نغلق
المحل فهناك حفلة عيد ميلاد أختك نهى .. نظر إلية حازم وقال حاضر يا أبى .. وبدأ فى أدخال الكراتين تباعا حتى وجد
كومة كبيرة بين الكراتين
فدقق النظر فإذا بها فتاة
لا تتجاوز السابعة عشر
فنظر إلى وجهها جيدا وهى مستغرقة فى النوم
فوجدها كملاك هبط من
السماء إلى الأرض فقفز
قلبة قفزا من بين ضلوعة إنها فائقة الجمال لم يرَ
أبدا فتاة فى مثيلها من الجمال فبدأ ينادى على
أبية سعيد قائلا : بنت
جميلة جدا يا أبى بين
الكراتين .. جاء أبية إلية
مسرعا ونظر مليا إلى
هذة الحورية النائمة بين
أشلاء الكراتين .. فأيقظها
بهدوء .. وبدت هيام وهى مستغرقة فى النوم .. مستغربة من هذا الموقف وكأنها فى حلم
مزعج تحاول طردة من مخيلتها
إلا أن صوت حازم كان جليا واضحا واردف بتنهد
قائلا : إسمك اية يا حلوة
قالت : إسمى هيام
قال : وأنت تايهة والا إية؟
قالت : مش عارفة
نظر عم سعيد إليها قائلا:
تعالى معانا ماتخافيش لحد
مانعرف حكايتك أية ...
قالت : حاضر
قدمت هيام مع حازم ووالدة ودلفت معهما إلى
المنزل .. وكان المنزل
واسعا ومن الطوب اللبن
وتم بناء خلفة محل البقالة
حيث أن عم سعيد خرج
على المعاش .. وحاول فتح
محلا للبقالة يسترزق منة
حتى يستطيع الصرف على
إبنة حازم الطالب فى كلية
الهندسة .. وكذلك يجهز بناتة الثلاث للزواج ويدبر
لهن نفقات تجهيزة ... كان
اليوم عيد ميلاد سهام ونهى الأبنة الكبرى وهى فى
الثانوية العامة .. وقد أعدوا التورتة والمشروبات لذلك .. وجلست كل أفراد العائلة
تسأل هيام مالذى أتى بك الى هنا .. فكان ردها ما عرفش أنا ماليش أهل خالص .. واللى قاموا بتربيتى ملوا منى وأنا
ذهقت من معاملتهم لي ..
ولو عايزنى أمشى دلوقتى
حقوم أمشى أنا إسترحت خلاص من التعب اللى حل بي ... فنظرت أم حازم
إليها برقة بالغة وقالت لا
يابنتى خليكى معانا ووقت
ما تحبى تمشى أمشى خلاص إحنا مرحبين بيكى
والبيت كبير قوى يساعى جمل .. ونظر حازم فى عينيها المشعتين ضياء وكانوا دائما ينادونة بحسام وقال : هو معقول نسيبك
تمشى فى الليل دى كلاب السكك تقطعك مش ممكن
.. نظرت إلية هيام قائلة :
ربنا يستر .. أنا بس مش عايزة أسبب ليكوا إزعاج
وقال عم سعيد : لا يابنتى
إنت تنورى .. ولو كنت
حقيقى مالكيش أهل إحنا
أهلك .. وممكن تشتغلى معايا فى الدكان .. بدل
من حازم لأن وراة مذاكرة كتيرة دا هو فى
كلية الهندسة ودى كلية صعبة محتاجة لتفرغ
وإنتباة وتركيز .. يمكن
القدر بعتك لينا وأنا يا أبنتى حعطيكى أجرك
الشهرى تعنية معاكى أو معانا زى ماتحبى وأكلك
وشربك معانا ماتحمليش هم نفقاتك دة علينا إحنا
نظرت إليها إبنتة سهام وقالت :
والنبى أنت حلوة خالص وتكونى أختى الرابعة لينا
إبتسمت هيام وبدأ التحضير لعيد الميلاد ..
ووضع الشموع والزينة
وحضر بعض أصدقاء سهام .. وقام بعضهن بالغناء والرقص .. وطلبت
سهام من هيام أن تحييها
برقصة منها .. وظهر خجلها وحياؤها واضحا
لكن الأم قامت بتحزيمها بإيشارب لترقص ....
فبدت كفراشة رقيقة بالوانها
الزاهية تسطع فى الأرجاء
وفى رشاقة تنطلق معلنة أن للجمال فى هزات الوسط إيقاع آخر ورونق فائق ولرقصاتها وقع السحر على قلب الجميع .. حتى
أن حازم نظر بإعجاب كيف
تكون هذة الحورية تجذب الألباب .. وإمتدحها الجميع
بإسهاب وتغنى بهذا الجمال وجرت الأم نحوها ووضعت قبلة حانية
على جبينها وقالت : أنت بقيتِ مننا خلاص يا هيام .. وتم
تناول التورتة وكلمات التحية والإعجاب ورسمت
هيام على هذة العائلة رسوم
الفرح والإبتهاج والأمان ..
وأستيقظت ومر الوقت سريعا فى حوارات ومناقشات وتفهم للوضع الجديد ومكان مبيت هيام وكل من البنات يستضيفها لتنام مع إحداهن .. وفضلت هيام المبيت مع صاحبة عيد الميلاد والإبنة الكبرى لهذة العائلة .. وحاولت هيام النوم لكنها كانت سابحة فى تيارات التفكير والتأمل حتى أدركها صوت آذان الفجر .. فغلبها النعاس وأستيقظ الجميع عندما أرسلت الشمس أشعتها ونفذت إلى مخدع هيام ففركت عينيها وجاال بخاطرها حال أبيها كيف يبحث عنها وأدركة العياء من التفكير فقالت فى نفسها أكيد هو سكير ولا يدرى ماذا يحدث حولة من أشياء .. إستيقظت هيام من نومها وقامت من فورها بعمل كل شىء
فى البيت ومن إعداد الفطور وتناولوا طعام
الإفطار ... والكل ينظر الى رقتها ورشاقتها والقيام
بكل ما هو فى البيت ومحتاج إلى نظام .. قامت
بترتيب البيت وتنظيفة وعمل كل الأعباء الخاصة
بالبنات .. وذهبت الى محل البقالة لمباشرة أعمالها بإتقان .. ورحب
عم سعيد بها وأعطاها الأمان فكانت مثالا يحتزى
بة فى الصدق والأمانة ...
وأحبها الجميع لرشاقتها
وخفتها وعملها الدؤوب
دون كلل أو ملل أو إستياء
... ظل الأب بيومى أفندى
يبحث عنها فى كل مكان فى فى القرى والمدن والبلدان
ولم يجد لها أى أثر أو مكان ... وتبعثرت أحلامة فى العثور عليها حية أو ميتة
بعد أن أبلغ أقسام البوليس
والمستشفيات .. وذهب إلى
طليقتة خديجة التى كانت
فى نواح وبكاء وإرتداء ملابس السواد حدادا على مصرع زوجها
على تحت عجلات القطار
.. فقد كان رنين المزلاق
وأغلاقة نتيجة قدوم قطار الصعيد القادم من
القاهرة .. وكان على ممسكا بورقة ذات فئة الخمس جنيهات ووقعت منة وطارت بين قضبان
السكة الحديد فجرى ورائها دون أن يدرك قدوم
القطار .. بالرغم من أن
خديجة قد نهتة ومنعتة من
مزاولة التسول بعد أن فتحت لة محلا كبيرا وكافتيريا .. إلا أنة كان يختلس الوقت ويذهب إلى أماكن هو يعرفها للتسول
وإحضار المزيد من المال
.. وكانت نهايتة بشعة ..
وقد فرح بيومى أفندى
بمصرعة على بأى حال ولكن عدم العثور على
إبنتة هيام .. والحزن الشديد الواضح على وجة
خديجة جعلتة يؤجل فرحة
.. وظلت خديجة تعاملة بقسوة بالغة لفقد إبنتها وحسرتها عليها .. وتطلب
من بيومى أفندى إلا يريها
وجهة إلا ومعة هيام ...
وظلت تلقى اللوم علية لفقد إبنتها وكان هو يردد قائلا لها : ياخديجة
أنت السبب فى ذلك وما وصل إلية حالى من إنهيار
.. ومر عام كامل دون أن
يعثر على إبنتة حتى أعياة
الحيل وبدأ يبكى ويندب
حظة العاثر .. فهو لا يستطع أن يشاور لها بالكلام على العودة إليها
إلا بعد العثور على إبنتة هيام .. وأخفى ذلك بين جانبية وصدرة للأيام ..
ومضى يسارع الخطى ربما يجرى وراء شبية لها أينما كان .. وبدأ اليأس يتسرب إلى قلبة ..
وقد ترك الخمر والميسر
وبدأ فى النسيان وليس همة
غير العثور عليها ثم محاولة العودة الى خديجة ست الحسن والجمال .... لكن الوضع علية صعب الآن .. وكل ما علية البحث
والتنقيب فى كل مكان حتى وصل بة البحث إلى
مدينة أسوان .. فكان ينادى عليها بأعلى صوتة
إرجعى إلى إبنتى هيام ..
ولعدم وجود صورة حديثة لهيام .. لم تتمكن
الشرطة من رصد هذة
الفتاة فى أى مكان .. كما
كانت تختفى فى قرية لم
يصل إليها الإعلام .. بل
قرية متعثرة فى شبكة المواصلات والإتصالات
ومعظم أهلها لا يجيدون القراءة والكتابة كأنها قرية
بلا عنوان ... ومرت الأيام وظلت تمر وتجرة
جر إلى نهاية الأمر .. هل
سيشرب بيومى من كأس المر .. أم سيأتى يوما الفرج ويستقر ................. ظلت هيام
مداومة على عملها بهمة
وجد ونشاط .. وكان حازم
يلاحقها بنظراتة الخاطفة فى كل مكان .. ويتغزل فى جمالها بإتقان وكانت كل العائلة تعيش فى أمن وسلام .. ويشار إليها بالبنان
.. فكل من فى القرية يعرف
أن هيام من العائلة وقدمت لتعيش معهم فى أمن وسلام
ولم يكن يساور أحد أنها هاربة وتبحث عن مكان آمن .. حتى أن أحد الرجال ويدعى حنيدق قال
لشخص يسأل عنها : لا ياسيدى دى بنت أخت الراجل سعيد كانت عايشة
فى بلدها وحضرت لتقيم
مع خالها ... وكانت كل كلمات الشك والريبة التى تحوم لظهور فتاة جميلة جدا كانت تغلق فى أوانها ..
حتى إنفجر البركان كثورة
هائجة لم يكن أحد يتوقع ثورانها .. فحازم طيلة سنوات دراستة متفوقا ومن الأوائل على كليتة
.. إلا أنة هذا العام كان مشغولا بهيام التى الهبت أحاسيسة وفؤادة دون أن تدرك أن هذا سيؤثر على دراستة فى كلية صعبة مثل كلية الهندسة .. ورغم أنها كانت تكتم مشاعرها
تعليقات
إرسال تعليق