مذكرا سليمان ..
مذكرات سليمان اليتيم
=======
بقم الكاتب والشاعر
: ابراهيم خليل
----------
كان الفقر
والعوز والحاجة ضاربا جذورة
فى أعماق هذة الأسرة البائسة الفقيرة
التى لا تجد القوت الضرورى لكى تقيم
أوت الحياة لأولادها ..وكان سليمان
طفل ذكى شديد الحياء
ينظر حولة فى ذهول .. فيجد العيون الدامعة الحزينة والقلوب المثقلة بالألم والصدر الممتلىء بالحرمان .. وكثيرا ما
كان يمسك قلمة ليكتب كل حدث
يدور حولة .. وحكايات ..
وخاصة بعد أن أصاب والدة
وعكة
صحية لازمتة أكثر من شهر ثم رحل
عن هذة الدنيا التى لم يجنى
منها إلا الألم والبؤس والفقر
والحرمان ومات ألأب وفى عينة دموع الألم
ليترك عائلتة الفقيرة فى
مواجة زمن قاسى لا يرحم الا من
رحمة اللة .. على عبادة ..... مسك
الطفل سليمان قلمة وجمع قصاصات
ورق يكتب عليها مذكراتة بكل ما يعى
وعية وإدراكة وقدراتة عى تفهم ما حولة
وتلك هى بداية المذكرات
( 1 )
رأيت أمى الرؤم
تختلى بنفسها وتندب حظها التعس
وفقد شريك حياتها ذلك
أبى الرجل الذى مات
فى ريعان شبابة وترك أمى الرائعة الجميلة ذات العينين الزرقاوتين والوجة القمرى
المضىء وكان ينساب حول وجهها
الشعر الأسود الليلى وكأن الليل يعانق القمر الجميل قى ليلة ظلماء حالكة وتلك هى صورة
أمى التى لم تقارقنى لحظة تسللت اليها
فوجدتها تمسح دموعها بأناملها الرقيقة المشعة ضوءا لتنسكب هذة الدموع متساقطة كأنها
قطرات اللؤلؤ فى مسبحة تدور
حول أناملها الجميلة .. ونظرت
الي وقالت مابك : يا سليمان تدخل فجأة بدون إستئذان ( مش انا
فهمتك انك لما تدخل على
حد تتنحنح ) .. وتلك أول
كلمة ترن فى
إذنى الا أقتحم مكانا الا
أن أستئذن اولا قبل الدخول
.. ومسكت يدها وظللت أقبلها
وقلت لها يا أمى لا تحملى الهم
.. إنشاء اللة سأكبر وأصرف عليكى .. وظلت أمى
تتلقى الثلاث جنيهات من أخى الأكبر
كل أول شهر لتصرف
بة على أسرة كبيرة العدد مما
كان الثلاث جنيهات لا تكفى الخبز الحاف
فى ذلك الزمن القاسى ..
وكانت لي عمة تسمى
حميدة كانت شديدة الثراء لأنها
كانت تملك جمالا
باهرا يماثل جمال أمى فتزوجت من رجل ثرى
صاحب مصنع كبير يدر علية دخلا
كبيرا
وكانت أمى عفيفة النفس جدا جدا
لا تمد يدها الى أحد كانت فى أشد
الحاجة الى خمسة قروش تشترى الطعام فكانت تصحبنى الى عمتى
البخيلة وكم أعرف أن أمى تذهب
لكى تقترض قروشا زهيدة بعد أن شعرت أن أولادها فى حاجة الى الإفطار والساعة تجاوزت الحادية عشر صباحا
ولم تجد كسرة خبز
وظلت ساعات ولسانها لا ينطق بكلمة
لعمتى .. وعمتى تعى ذلك
لكنها تتجاهلها مع أنها تملك الآف
الجنيهات فى ذلك الزمن .. وتمضى الساعات حتى آذان
الظهر وهى لا تنطق .. وشاهدت دموعا
تتساقط من عينيها الزرقاوتين الرائعتين
الجميلتين .. فيعتصر قلبى الألم ومازلت متماسكا رغم الجوع الشديد
وكان فى الدور الأسفل (الست
تريزة ) .. وكانت تحب أمى كثيرا
وتنظر اليها وتقول لها
: يا ام محمد أنا أحب الجمال فيكى
.. إتفضلى وقامت بعمل كوب
شاى لي ولها
وقدمت بعض الشطائر المحببة لي
ولكنى نظرت الى أمى هل آخذها ..فنظرت أمى وقالت أيوة يا سليمان خد واحدة
بس .. خليك قنوع .. وتعلمت القناعة
من أمى وقدمت الست تريزة
.. عشر قروش لأمى دون أن تتحدث أمى
وكانت أمى عند اول كل
شهر تسدد لها
القروش رغم أن الست
تريزة تحاول كثيرا
ألا تأخذها وتلح أمى بإصرار عنيد
قائلة : حتى لا أموت فجأة ويحاسبنى اللة على دين
لم أفى بة .. ومع الإصرار الشديد
تأخذ الست تريزة النقود وهى تستغرب
على عفاف وعفة وشموخ هذة الأمرأة
الطيبة العنيدة رغم قسوة الظروف ..
( 2)
كان يوم السبت بداية
العام الدراسى الجديد .. ونحن
اليوم الخميس ولم
يتبقى الا يوم الجمعة وليس عندى
حذاء أذهب بة الي
المدرسة ....
ولمحت لأمى بذلك .. وذهبت أمى الى نفس الست تريزة
.. ولم تنطق إلا
أنة فى خلال خمس دقائق
بعد فنجان
الشاى مع (الصميت ) .. كانت قد أقرضتها عشرون
قرشا .. وأخذتنى
أمى الى القناطر السبعة حيث يباع
الأحذية المستعملة بعد
تلميعها وأعجبنى حذاء
إلا أنة مرتفع نوعا
فى الثمن فقالت أمى للبائع أنا بجرى
على خمس أيتام اللة يخليك
أعطينى الحذاء بثلات قروش ولم يفلح
توسلات أمى إلا أنها أخذت
الحذاء بأربعة قروش ففرحت كثيرا
بة .. واستطاعت أمى أن تدور قميص أخى
ليكون مناسبا لي ..
وأشترت لى قلم جاف وقالت هذا
القلم يكفيك أربع شهور
على الأقل
وظللت أحافظ على هذا القلم حتى لا
ينتهى المداد منة كنت أقوم بحل بعض المسائل لأصدقائى التلاميذ وكانت هذا بداية
تفوقى وتميزى عنهم حتى أستطيع أن أكتب بقلمهم
وأخذ بعض صفحات بيضاء كى أصمم لنفسى كراسة أخرى فأمى
ليس معها
شراء كراسات ثانية لي .. وتمضى الأيام على هذا المنوال
وكم أعانى من الفاقة والفقر
والحرمان ومن محاولة أمى الشديدة صد
هذا الكم الهائل من الخطاب
الذين يريدون ودها والزواج
منها فقالت إننى تزوجت أولادى ولا
رجعة فى هذا القرار ( كفايا عليّ )
سليمان ومحمد وأحمد .. وتمضى الأيام تجر بعضها
بعض وتزداد قسوة الأيام عض
.. وليس لنا فى
ذك إختيار او رد ......
( 3 )
وليس لنا
حاجز صد ... يقينا
من
هذا الهجوم الشرس
للأيام التى لا ترحم
ولا هذا الزمان الذى يرمى بسهمة
المرتد الى صدورنا
العارية دون درع
يرد هذا البؤس المتزايد والذى
طال أعناقنا
بجد .. فلم نجد واقى
لحياتنا وذلك الغلاء الذى يشتد
فيؤرق صدورنا
ويحتد .. حتى أننا
نسينا فى الشدة
أسمائنا .. فكنت آخذ
كتابى لأستذكر دروسى
على الطريق الزراعى وعندما يشتد
الجوع عليّ
ابحث عن شجرة توت ..
أتسلقها كى ألتقط ثمار التوت
وآكلها أو القى
بالحجارة على نخلة بلح
لعلى أستطع أن اسقط منها حبات بلح
تشفع فى معالجة الجوع الشديد
الذى يؤلمنى .. واعود
الى البيت محملا بعض حبات البلح
والتوت
كى أ قدمها لأخواتى
وفى الليل عندما
لا أجد الطعام
وخاصة ان ايام الأمتحانات تحتاج
الى السهر لمراجعة الدروس فكنت انا
واختى التقط بعض الملح لنضعة
امام لقيمات العيش
لنتناولها معا فكانت لنا
أثمن من واحلى
من أكل وجبة دجاج دسمة
أو بط .. وكانت أمى
دائما تحرص على شراء
أوزة صغيرة ثم
تقوم بتربيتها وتزغيطها
حتى تثمن لموعد عيد الأضحى من
كل عام
ومرت الأيام
مملى بطيئة بدون
أن يتغير الحال الى الأحسن ...
وكنت أحيانا أخلو الى نفسى وأتذكر
حنان أبى ورقة أمى وكيف كان أبى
يحكى لى القصص والحكايات
وخاصة حكايات جحا بالذات .. كان
أبى يحفظ القرآن كلة والأحاديث
النبوية فكثيرا ما حفظت فى صغرى بعض الأجزاء
من الأجزاء القصيرة السور .. وبعض
الأحاديث فزاد من
تعلقى برب الكون وأخذت أتأمل
هذا الملكوت الهائل الكبير ..
السماء الشاسعة وفكرت فى يوم
الحساب .. وكم كنت أسمع من أمى أن الظرة الأولى لك والثانية
عليك حتى لا يحاسبك اللة ..
فكنت حين أقوم بحل المسائل
التى كنت أجيدها لأصدقائى التلاميذ مثلى
مما شجع التلميذات
أن يتقدمن كى أشرح لهن
الدروس .. فكنت لا أنظر
إلا الى قلمى ..
خشية حساب اللة
وخاصة وقد كبرت ونضجت
ووصلت الى الصف الثالث الأعدادى
فكن من الجميلات جدا جدا هدى
واصلاح .. وإنشراح ..والكثيرات
ممن يسبحن فى هذا العالم من الجمال الأنثوى الذى يضج
بالفتنة والروعة .. كان يكفينا
النظرة الأولى لأرسم صوزرهن فى ذاكرتى وكنت أسبح فى دائرة من أحلام المراهقة ..
وقد تعودت أن أسمع الأصدقاء
يلقبونى بالأستاذ الصغير ..
كان اليوم الخميس 4/ 6 اليوم
الذى
حكت فية أمى كيف تزوجت من أبى
الفقير رغم جمالها الرائع
المبهر ..
ووجها القمرى المضىء .. كان أبى
حلوانى وكانت أمى من قرية كرديدة مركز
منيا القمح .. وكان أبى
صاحب صنعة وشاب فتى طويل
القامة يميل الى السمرة شجاعا
وشخصية مميزة .. تعلم فى
الكتاب وحفظ القرآن وذهب الى الزقازيق وتعلم صنعة وكان بيت
عائلتة مقابل لبيت أمى .. وكان أبيها تاجر أقطان ثرى
متزمت الى ابعد
الحدود .. وكانت والدة أمى وتدعى زينب جميلة
بيضاء تستحم فى موج من الشعر
الأصفر الهفهاف ..
ترى كم يقوم
هذا الشاب بالتأنق ولبس الجلباب
الفضفاض وينتظر بالساعات كى
يفتح الباب أو الشباك كى يختلس
النظرات وعلمت جدتى
بذلك .. وكانت أمى صغيرة جدا لم
تبلغ الرابعة عشر من عمرها .. ولكن جدى
محمد كان متزمتا لأبعد الحدود .. سوف تتزوج أمى من أبى
الخميس القادم .. وضج أهل
القرية كيف تستعجل على زواج أبنتك
الصغيرة لشاب ليس فى مستوى عائلتك .. فقال لهم كلنا
كنا صغار وعندما تزوجت زينب كانت فى نفس عمرها
وكبرنا معا حتى أصبحت من أشهر تجار الأقطان فى الشرقية
بأكملها .. وتم الفرح
رغم قيام بعض العائلات الثرية والشباب الكثير الذى كان ينتظر بفروغ الصبر أن تصل
أمى الى سن الزواج الرسمى كى يتقدموا لخطبتها وحدثت
عدة مشاكل ومضايقات .. قام
أبى من خلالها
لنقل سكنة الى
ضواحى الزقازيق
بعيدا عن مسقط رأسة كرديدة ..
وكم حكت لي ان البيت كان
صغيرا متواضعا وسط
حقول وارض فضاء شاسعة وان فتح اى نافذة هو حطر
عليها .. حتى ان ذات مرة كان هناك رجل
شرير لكنة مزارع
يملك حقلا وشرا وكثيرا
ما يقوم بأعمال البلطجة ولا يهمة
أحد .. وكانت أمى تشترى (كرنب
) من احد الحقول وشاهدها أبو شمار .. نظر
اليها وقال الشىء الوحيد الذ1ى أنقذك منى
هو جمالك الملائكى أذهبى
عفوت عنكى .. وكانت اسنان أمى
تصطك ونرلاتعد فرائسها حتى سا قاها لا
يستطيعا حملها على الجرى .. فتركت الكرنبة وانطلقت وهى تنظر الى شنبة البارو بحدة يقفز شواربة
بحدة كما كانت تمع أنة قتال قتلة .........
تعليقات
إرسال تعليق